فصل: غزوة حنين.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.غزوة حنين.

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة ليلة وهو يقصر الصلاة فبلغه أن هوازن وثقيف جمعوا له وهم عامدون إلى مكة وقد نزلوا حنينا وكانوا حين سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يظنون أنه إنما يريدهم فاجتمعت هوازن إلى مالك بن عوف من بني النضير وقد أوعب معه بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وبني جشم بن معاوية وبني سعد بن بكر وناسا من بني هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية والأحلاف وبني مالك بن ثقيف بن بكر ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب وفي جشم دريد بن الصمة بن بكر بن علقمة ابن خزاعة بن أزية بن جشم رئيسهم وسيدهم شيخ كبير ليس فيه إلا ليؤتم برأيه ومعرفته وفي ثقيف سيدان ليس لهم في الأحلاف إلا قارب بن الأسود بن مسعود ابن معتب وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحرث بن مالك وأخوه أحمر وجميع أمر الناس إلى مالك بن عوف.
فلما أتاهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة أقبلوا عامدين إليه وأسار مالك مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم يرى أنه أثبت لموقفهم فنزلوا بأوطاس فقال دريد بن الصمة لمالك: ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاء وبكاء الصغير فقال: أموال الناس وأبناءهم سقنا معهم ليقاتلوا عنها فقال راعي ضأن: والله هل يرد المنهزم شيء؟ إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسلاحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ثم سأل عن كعب وكلاب وأسف لغيابهم وأنكر على مالك رأيه ذلك وقال: لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا أرفعهم إلى ممتنع بلادهم ثم ألق الصبيان على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت لغيرك كنت قد أحرزت أهلك ومالك وأبى عليه مالك واتبعه هوازن.
ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي يستعلم خبر القوم فجاءه وأطلعه على جلية الخبر وأنهم قاصدون إليه فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية مائة درع وقيل أربعمائة وخرج على اثني عشر ألفا من المسلمين عشر آلاف الذين صحبوه من المدينة وألفان من مسلمة الفتح واستعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ومضى لوجهه وفي جملة من اتبعه عباس بن مرداس والضحاك بن سفيان الكلابي وجموع من عبس وذبيان ومزينة وبني أسد ومر في طريقه بشجرة سدر خضراء وكان لهم في الجاهلية مثلها يطوف بها الأعراب ويعظمونها ويسمونها ذات أنواط فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال لهم: قلتم كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم واجرم من ذلك.
ثم نهض حتى أتى وادي حنين من أودية تهامة أول يوم من شوال من السنة الثامنة وهو وادي حزن فتوسطوه في غبش الصبح وقد كمنت هوازن في جانبيه فحملوا على المسلمين حملة رجل واحد فولى المسلمون لا يلوي أحد على أحد وناداهم صلى الله عليه وسلم فلم يرجعوا وثبت معه أبو بكر وعمر وعلي والعباس وأبو سفيان بن الحرث وابنه جعفر والفضل وقثم ابنا العباس وجماعة سواهم والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء دلدل والعباس آخذ بشكائمها وكان جهير الصوت فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادي بالأنصار وأصحاب الشجرة قيل وبالمهاجرين فلما سمعوا الصوت وذهبوا ليرجعوا فصدهم ازدحام الناس عن أن يثنوا رواحلهم فاستقاموا وتناولوا سيوفهم وتراسهم واقتحموا عن الرواحل راجعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد اجتمع منهم حواليه نحو المائة فاستقبلوا هوازن والناس متلاحقون واشتدت الحرب وحمي الوطيس وقذف الله في قلوب هوازن الرعب حين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يملكوا أنفسهم فولوا منهزمين ولحق آخر الناس وأسرى هوازن مغلولة بين يديه وغنم المسلمون عيالهم وأموالهم واستحر القتل في بني مالك من ثقيف فقتل منهم يومئذ سبعون رجلا في جملتهم: ذو الخمار وأخو عثمان ابنا عبد الله بن ربيعة بن الحرث بن حبيب سيداهم وأما قارب بن الأسود سيد الأحلاف من ثقيف ففر بقومه منذ أول الأمر وترك رايته فلم يقتل منهم أحد ولحق بعضهم بنخلة وهرب مالك بن عوف النصري مع جماعة من قومه فدخلوا الطائف مع ثقيف وانحازت طوائف هوازن إلى أوطاس واتبعتهم طائفة من خيل السلمين الذين توجهوا من نخلة فأدركوا فيهم دريد بن الصمة فقتلوه يقال قتله ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن يربوع بن سماك بن عوف بن امرئ القيس وبعث صلى الله عليه وسلم إلى من اجتمع بأوطاس من هوازن أبا عامر الأشعري عم أبي موسى فقاتلهم وقتل بسهم رماه به سلمة بن دريد بن الصمة فأخذ أبو موسى الراية وشد على قاتل عمه فقتله وانهزم المشركون واستحر القتل في بني رباب من بني نضر بن معاوية وانفضت جموع أهل هوازن كلها واستشهد من المسلمين يوم الخميس أربعة منهم أيمن بن أم أيمن أخو أسامة لأمه ويزيد بن زمعة بن الأسود وسراقة بن الحرث من بني العجلان وأبو عامر الأشعري.